وكان يقول بعبد الله بن جعفر قبل أبي الحسن (عليه السلام)، ثم رجع عنه على ما صرح به الكشي (1). فإذا لم يمكن جمعها مع الأولى أو كان الجميع مؤديا إلى ما لا يدل اللفظ عليه أصلا وجب طرحها.
إعلم أن مؤلف نور الثقلين بعد أن نقل الرواية الأولى في سورة الأنبياء (2) والثانية في سورة ص (3) أمر في الحاشية بالتأمل في الجمع بينهما، وهذا في الحقيقة أمر بالجمع بين النقيضين، ولذا قال في مجمع البيان - بعد أن قال: قيل:
اشتد مرضه حتى تجنبه الناس، فوسوس لهم الشيطان أن يستقذروه، ويخرجوه من بينهم، ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم -: وأهل التحقيق لا يجوزون أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها، لأن في ذلك تنفيرا، فأما المرض والفقر وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله تعالى بذلك (4). وفيه إيماء لطيف إلى قبول الرواية الأولى ورد الثانية.
تنبيه ظهر فساد ما قاله صاحب الكشاف: فقد بلغ أمر أيوب إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان (5). وكذا عدم اعتبار ما قاله القاساني في الصافي في الجمع بين الروايتين: المراد ببدنه الذي قيل في الرواية الأولى: إنه المنتن رائحته، ولم يتدود بدنه الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينة خلقت منها أرواح المؤمنين، وببدنه الذي قيل في هذه الرواية: إنه أنتن وتدود بدنه العنصري الذي هو كالغلاف لذلك، ولا مبالاة للخواص به، فلا تنافي بين الروايتين (6).
وذلك لأنه مع كونه مخالفا لما أطبقوا عليه - حيث إنه جوز كون بدنه العنصري منتنا متدودا وهم لا يجوزون ذلك - بعيد غاية البعد، إذ لا يخفى على ذي مسكة أن قوله (عليه السلام) في الرواية الأولى: " وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه " إنما