وقد قال قبيل ذلك بأنه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى (1). وهو منه غريب، لأنه لما قال ببقائها بعد فناء البدن وتعلقها في عالم البرزخ بأجساد مثالية فلا بد له من القول بتجردها، ولذا قال الشهيد في الذكرى: دل القرآن العزيز على بقاء النفس بعد الموت وتعلقها بأبدان مثالية بناء على تجردها (2).
اللهم إلا أن يقال: إنه يذهب إلى أنها جسم منفصل عن البدن خارج عنه مجاور له، لا تفنى بفنائه، فيتعلق بعد مفارقته عنه ببدن مثله مدة البرزخ، وهو شبيه بما قال به أكثر النصارى من أن الروح جسم روحاني سماوي، وإليه ذهبت طائفة من المسلمين، ولكنه باطل لما تقرر في مقره.
وقال في كتاب البحار بعد كلام: لا يخفى عليك أنه لم يقم دليل عقلي على التجرد ولا على المادية، وظواهر الآيات والأخبار تدل على تجسم الروح والنفس وإن كان بعضها قابلا للتأويل، وما استدلوا به على التجرد لا يدل دلالة صريحة عليه وإن كان في بعضها إيماء إليه، فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرد إفراط وتحكم، كيف وقد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم؟
وجزم القائلين بالتجرد أيضا بمحض شبهات ضعيفة مع أن ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضا جرأة وتفريط، فالأمر مردد بين أن يكون جسما لطيفا نورانيا ملكوتيا داخلا في البدن تقبضه الملائكة عند الموت وتبقى معذبا أو منعما بنفسه أو بجسد مثالي يتعلق به كما مر في الأخبار أو يلهى عنه إلى أن ينفخ في الصور كما في المستضعفين، أو يكون مجردا يتعلق بعد قطع تعلقه عن جسده الأصلي بجسد مثالي، ويكون قبض الروح وبلوغها الحلقوم وأمثال ذلك تجوزا عن قطع تعلقها، أو أجري عليها أحكام ما تعلقت أولا به وهو الروح الحيواني البخاري مجازا (3).
أقول: ويظهر منه أنه مردد بين تجرده وماديته، ولكنه يقول على التقديرين