لا يقتضي نفيها، والخبر المذكور وهو " أفضل الأعمال أحمزها " متأول دفعا للتنافي بين الأخبار، فيكون المراد من المفضل عليه ما سوى البكاء عليه (عليه السلام).
ويحتمل أن يكون هذا المقدار من الثواب تفضلا منه سبحانه لا استحقاقا من الباكي لبكائه، أو يكون الوجه فيه دلالته على كمال المودة التي جعلها الله تعالى أجرا للرسالة، أو لما فيه من النصرة على رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) والإحسان إليهم كما ورد في بعض الأخبار (1) المروية عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم ما بقي الليل والنهار.
[تحقيق حول حديث " لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما "] في القواعد الشهيدية عنه (عليه السلام): " لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما " (2).
أقول: الدخول هنا مجاز، إذ العرض لا يتصف بالدخول والخروج إلا بالعرض، فإنهما من خواص الأجسام المسببة من الحركة، ولما كان خلو الجوف من أسباب إفاضة الحكمة فإنه تشبه بصفة الصمدية، وكان امتلاؤه مانعا منها جعله من متعلقات الفعل.
والمراد أنه لا تفيض الحكمة وهي ما يتضمن صلاح النشأتين أو صلاح النشأة الآخرة، من العلوم والمعارف، أو العلم بحقائق الأعيان الموجودة على ما هي عليه على من أكثر في الأكل وأشبع بطنه وأفرط في التملي، لأنه: يكدر قلبه ويقسيه، ويكل طبعه، ويشغل سره، ويقوي شهوته، ويثقل بدنه، ويكثر نومه، ويورث غفلته، ويمنعه من التهجد والعبادة والقيام بالليل، ومن المواظبة على سائر العبادات والأذكار المورثة لإفاضة الحكمة، ويوجب البطر والطغيان، ويولد البلغم المستعقب للنسيان، وهو آفة العلم. بخلاف الجوع وخلاء المعدة، فإن من أجاع بطنه انكسرت شهوته، وذلت نفسه وانقادت تحت قلم العقل، وقل نومه، ورق قلبه، ونفذت بصيرته، وعظمت فكرته، وزالت عنه داعية البطر والطغيان وما يورث أسباب النسيان.