إلى أن أتيا مقابر مكة، فعدل إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشق وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فقال: من وليك يا أبة؟ فقال: وما الولي يا بني؟ فقال: هو هذا علي، فقال: وإن عليا وليي، قال: فارجع إلى روضتك، ثم عدل إلى قبر أمه آمنة فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشق، وإذا هي تقول: لا إله إلا الله وإنك نبي الله ورسوله، فقال لها: ومن وليك يا أماه؟ فقالت: وما الولي يا بني؟ قال: هو هذا علي بن أبي طالب، فقالت: وإن عليا وليي، فقال: ارجعي إلى حفرتك، فكذبوه ولببوه وقالوا:
يا رسول الله كذب عليك اليوم، فقال: وما كان من ذلك؟ قالوا: إن جندبا حكى عنك كيت وكيت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (1).
[بيان لقول الصادق (عليه السلام): " من قرأ في المصحف متع ببصره... " الخ] قال الصادق (عليه السلام): " من قرأ في المصحف متع ببصره، وخفف عن والديه ولو كانا كافرين " (2).
لعل المراد أنه يخفف عنهما قدرا من العذاب على وجه لا يحصل لهما الشعور به، بأن يفرق الناقص على الأوقات بحيث لا يحصل لهما السرور بحصول التخفيف، فلا منافاة بينه وبين ما قالوا من وجوب خلوص الثواب والعقاب من الشوائب، إذ لو لم يكن خالصا لكان أنقص حالا من العوض والتفضيل إذا كانا خالصين، وأنه غير جائز. وأما العقاب فلأنه أدخل في باب الزجر من الثواب، فيجب خلوصه بطريق أولى.
ويحتمل أن يكون المراد ولو كانا منكرين لما في فضل القراءة في المصحف من التمتع والتخفيف، أو يكون الغرض مجرد مبالغة في فضل قراءته في المصحف على قراءته عن ظهر القلب ولعله أظهر من سابقه، فتأمل.