[تحقيق حول حديث " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء... " الخ] قال النبي (صلى الله عليه وآله): " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (1).
أقول: الإقلال: الحمل والرفع، والغبراء: الأرض، والخضراء: السماء، سميتا بهما للونهما، و " أصدق " بعد النفي بمعنى صدق، لأن النفي إذا استولى على اسم التفضيل توجه إلى القيد الذي هو الزيادة، فيفيد أنه ليس صدق غيره زائدا على صدقه، فيبقى أصل صدق غيره مقيسا إلى صدقه: إما مساويا له أو دونه، والمساواة غير مناسبة لمقام المدح، فيرجع إلى أن صدق كل أحد دون صدقه.
ويمكن جعل " أصدق " قبل تسلط النفي عليه مجردا عن الزيادة عرفا، لأن نفي الزائد غير ملائم للمدح، فيبقى أصل الصدق وتوجه النفي إلى صدق غيره بالقياس إلى صدقه: إما بالمساواة أو بكونه دونه، والثاني كما عرفته، فيؤول إلى " ما أقلت ولا أظلت " أحدا يكون صدق لهجته صدق لهجته، فانتفى المساواة والزيادة بطريق أولى.
ولا يبعد أن يقصد بنفي المساواة نفي الزيادة أيضا، لأن الزائد على شئ ما يساويه مع زيادة، فيصح أن يقصد به عرفا نفي المساواة مطلقا ولو في ضمن الزائد أيضا، فيحصل من جميع ذلك أن صدق كل أحد دون صدقه، وذلك كمال التمدح.
فإن قلت: لا شبهة في أن جميع المعصومين بعصمتهم أصدق لهجة منه، فالكلية ممنوعة.
قلت: الكلام مخصوص بغيرهم، والمراد أنه متناه في الصدق إلى الغاية، فجاء به على اتساع الكلام والمجاز، إذ الغالب في مقام المدح أو الذم أن يزاد على الواقع، فيذكر العام ولم يرد به عمومه.
ويدل عليه ما في معاني الأخبار " قيل للصادق (عليه السلام): أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)