ويحتمل أن يكون السين للمبالغة والتأكيد لا للتسويف والتأخير، فتأمل.
[تحقيق حول حديث " المؤمن يأكل في معاء واحد "] قال سيد البشر على ما أورد عنه في الخبر: " المؤمن يأكل في معاء واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " (1).
أقول: لما كانت القوى المدركة الحيوانية سبعة، خمسة منها ظاهرة والاثنتان منها - وهما: الحس المشترك المدرك للصور، والوهم المدرك للمعاني، لأن الخيال والمتخيلة والحافظة ليست من القوى المدركة بل هي من أعوانها - باطنتان، وكان الكافر لغلبة هواه على عقله * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * (2) مطيعا لتلك القوى السبعة، ومحصلا مشتهياتها الفانية ومقتضياتها الدانية، كان يأكل في تلك الأمعاء السبعة وينتفع بها، وهي بعينها هي التي يفضي به إلى نار جهنم التي لها سبعة أبواب، لكل باب منها جزء مقسوم.
وأما المؤمن، فلما قهر هواه وسلب مناه، وبعث قواه على ملازمة الطاعات ومجانبة المنهيات، وجعلها بالرياضات والمجاهدات مطيعة ومنقادة تحت قلم العقل في تناول العلوم الحقيقية والأخلاق المرضية المؤدية إلى السعادات الباقية الأبدية، كان يأكل في هذا المعاء الواحد، فالمراد بالأكل مطلق الانتفاع وهو متعارف، يقال: فلان يأكل مال اليتيم، يعنون به أنه يستعمله ويأخذه وينتفع به ولا يجتنبه لا أنه يأكله حقيقة.
أو يقال: إنه مثل ضربه للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع في الدنيا، فيكون إشارة إلى أن المؤمن قليل الانتفاع منها، والكافر كثير الانتفاع منها، لأنها سجن المؤمن وجنة الكافر، فإنه لكونه مراقبا لأحواله ومجانبا عما يضره في مآله كان مقيدا مطلقا مضيقا عليه رزقه وما ينتفع به في دنياه لمراعاته آخرته وعقباه، وذلك بخلاف الكافر فإنه مطلق مطلقا لا قيد له أصلا.