وأما ما ورد في بعض الأخبار من قوله (صلى الله عليه وآله): " إنهم مثلي " فالمراد به أنهم مثله في العصمة وفرض الطاعة والدلالة إلى الله والهداية إليه وما شاكل ذلك، لا أنهم مثله في الدرجة والفضيلة ليلزم منه المساواة فيلزم منه ما سبق، والمشبه لا يلزم أن يكون مثل المشبه به في كل الوجوه، وكيف يمكن القول بمساواتهم كلهم له (صلى الله عليه وآله) وهم مختلفون في المرتبة والفضيلة؟ فأما الحسنان فأبوهما خير منهما، وهما من التسعة، والحجة من الثمانية صلوات الله عليهم.
ثم لا حاجة في تفضيله (عليه السلام) على الأنبياء إلى القول بالمساواة، فإن له طرقا عديدة أوضحناها في رسالة لنا مفردة مسماة بذريعة النجاة معمولة لبيان أفضلية أئمتنا من سائر الأنبياء غير النبي (عليهم السلام)، قد أشبعنا الكلام فيها بما لا مزيد عليه فليطلب من هناك وبالله التوفيق.
[تحقيق حول حديث مصباح الشريعة في الفتيا] روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا تحل الفتيا لمن لا يستغني من الله بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال، لأن من أفتى فقد حكم، والحكم لا يصح إلا بإذن من الله وبرهان، ومن حكم بالخبر بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه " (1).
أقول: الفتيا بالياء وضم الفاء، والفتوى بالواو وفتح الفاء: ما أفتى به الفقيه.
وفيه دلالة على أن صفاء السر والعلانية وإخلاص العمل علة موجبة لأن يفيض من الله عز اسمه على المفتي ما يغنيه في باب الافتاء عن غيره تعالى، بأن يعطيه الله من فضل رحمته قوة يتمكن بها من رد الفرع إلى أصولها واستنباطها منها، وهذه القوة هي العمدة في هذا الباب، وإلا فتحصيل مقدمات الاجتهاد كما قيل قد صار في هذه الأزمان لكثرة ما حققه العلماء والفقهاء فيها وفي بيان استعمالها سهلا.
وهذه القوة بيد الله يؤتيها من يشاء من عباده، بشرط ما سبق من صفاء سريرته وعلانيته، وإخلاص عمله ونيته.