والنظر إلى وجه الله ذي الجلال والاكرام، والسعداء في الوصول إلى نيل هذه الثمرة على مراتب متفاوتة، فالأولى مرتبة من أوتي الكمال في حدس القوة النظرية حتى استغنى عن معلم بشري رأسا، وأوتي مع ذلك ثبات قوة المتفكرة واستقامة وهمه منقادا تحت قلم العقل، فلا يلتفت إلى العالم المحسوس بما فيه حتى يشاهد عالم المعقول بما فيه من الأحوال ويستثبتها في اليقظة، فيصير العالم وما يجري فيه متمثلا في نفسه، فيكون لقوته النفسانية أن يؤثر في عالم الطبيعة حتى ينتهي إلى درجة النفوس السماوية، وتلك هي النفوس القدسية أولات المعارج، وهم السابقون السابقون أولئك المقربون، وهم أفضل نوع البشري وأحقه على درجات السعادة في الجنة (1).
وبالجملة مراتب الناس في الفهم والتمييز مختلفة، ومدار فيضان العلم والحكمة على طهارة النفس وصفائها وذكائها وكمالها في نفسها، سواء في ذلك الصغير والكبير، فجاز عقلا أن ينال الصبي مرتبة النبوة والإمامة، كما ثبتت نبوة يحيى بالكتاب وإمامة الجواد والقائم (عليهما السلام) بالسنة المتواترة القاطعة في حد الصبا.
وقد ذكر الشيخ الفاضل تقي الدين الحسن بن داود أن صاحبه ورفيقه السيد غياث الدين بن طاووس اشتغل بالكتابة واستغنى عن المعلم وعمره أربع سنين (2).
وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون وقد قرأ القرآن ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع بكى.
وإذا ثبت أن غير المعصوم يصير صاحب الرأي ناظرا فيه، مجتهدا فقيها غنيا عن المعلم وعمره أربع سنين، فما ظنك بالمعصوم ومن نفسه قدسية وعلومه لدنية ومعه ملك يؤيده ويسدده؟ هذا ما عندنا في جواب مسألتك هذه والعلم عند الله وعند أهله، والسلام.
[تحقيق حول الحديث النبوي: " ولد الزنا شر الثلاثة "] قال الصدوق في معاني الأخبار: " حدثنا علي بن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)، قال: