الشارع - فيكون مدار الحجية فيما لم يكن حجة بنفسه على جعل الشارع، فيكون الطرق الظنية والأمور الغير المفيدة للظن أصلا (1) سواء من حيث عدم حجيتهما في أنفسهما وحجيتهما بجعل الشارع، فما الوجه في جعل الشارع الأولى حججا دون الثانية؟ لأن اعتبار الشارع ما لم يكن حجة بنفسه وجعله حجة معناه - كما أشير إليه - إنما هو أمره بالعمل بمؤداه وجعله مرآة لتكليفه الواقعي، وذلك لا يعقل في الثانية، ضرورة أنه ليس لها مؤدى ليأمر الشارع بالعمل به، لعدم الكشف فيها أصلا، فيرجع جعلها طرقا إلى جعل الشك طريقا، وهو غير معقول.
وبالجملة: الطرق الظنية صفة الطريقية ثابتة لها في أنفسها كالعلم إلا أن الخاصية المترتبة على العلم - وهي السببية لقطع العذر - ليست لازمة لها كما في العلم، بل إنما هي بجعل الشارع، فجعل الشارع مكمل لطريقيتها لا محدث لصفة الطريقية فيها.
ومما ذكر إلى هنا ظهر: أنه لا يعقل أن يأمر الشارع بالاحتياط في مورد الشك في التكليف الواقعي لأجل دفع ضرر ذلك التكليف الأخروي، سواء كان أمره ذلك إرشاديا، أو شرعيا يكون الحكمة فيه التحرز عن ذلك الضرر الأخروي، إذ بعد قبح العقاب على ذلك التكليف المشكوك لا ضرر حتى يجعل التحرز عنه منشأ للأمر بأحد الوجهين المذكورين، وأنه يقبح للشارع (2) إلزام المكلف - بخطاب آخر سوى الخطاب الواقعي المشكوك فيه - على امتثال (3) ذلك التكليف المشكوك فيه، بأن يقول له - مثلا -: يجب عليك امتثال التكاليف