دون مضامينها، والمنشأ للتناقض هي الثانية، لا الأولى.
وهذا الذي ذكرنا في دفع التناقض مما يجده المتأمل المصنف من نفسه في خطاباته العرفية بالبديهة، وذلك كما إذا ورد أحد تبغضه على مائدتك، فيأخذك الحياء من أن لا تأذن [له] (1) في الأكل منها، فيدعوك ذلك إلى ترخيصه في الأكل، مع أنك في نفسك تكره وتبغض أن يأكل من مائدتك، بل قد يدعو الحياء إلى إلزامك إياه بالأكل، فهل تجد من نفسك - حينئذ - إرادة وكراهة وحبا وبغضا؟ حاشاك ثم حاشاك، بل لم تجد فيها إلا الكراهة وحدها والبغض وحده.
وكيف كان، فاجتماع الأحكام الظاهرية مع الواقعية بالنظر إلى ملزوماتها من قبل المكلف - بالكسر - مما يشهد به وجدان كل أحد، وإنما أردنا بذلك بيان السر فيه تفصيلا، لئلا يبقى مجال لبعض المغالطات المتوهمة في المقام.
ومن ذلك الذي ذكرنا في الوجه الأخير ظهر: أن المعتمد في دفع التناقض هو دون الأولين، فخذه وكن من الشاكرين، وقل الحمد لله رب العالمين.
ثم إن تقديم الأدلة الظنية على الأصول العملية بناء على اعتبار تلك الأصول من باب العقل إنما هو من باب الورود، فإن العقل على تقدير حكمه باعتبارها فإنما يحكم به على تقدير عدم قيام حجة شرعية في مواردها، فبوجود الحجة يرتفع موضوع حكمه، ولا ريب أن الأدلة الظنية حجة شرعية، فيرتفع بقيامها في مورد موضوع دليل اعتبار تلك الأصول، وهو حكم العقل.
وأما بناء على اعتبارها من باب الأخبار فهو من باب الحكومة: لأن الأخبار ظاهرة في كون الموضوع فيها صفة الشك، ولا ريب أنها لا ترتفع بقيام الأدلة الظنية على مواردها، بل المرتفع بها - حينئذ - إنما هو حكمها بمقتضى أدلة اعتبار تلك الأدلة الظنية، ويمكن أن يقال: إن التقديم المذكور من باب