وثالثة: بأن الخطابات الظاهرية لا يجب أن تكون مضامينها مقصودة في نفس الآمر، بل لا يجوز لاستلزامه للتناقض كما مر، فالترخيص الظاهري للمكلف الشاك في حكم الواقعة الخاصة الواقعي فيما إذا كان حكم الواقعة الخاصة في الواقع الحرمة أو الوجوب ليس ملزوما للرضا النفساني بارتكاب المكلف الفعل أو تركه في تلك الواقعة، وكذا النهي الظاهري فيما إذا كان حكم الواقعة الواقعي الوجوب، أو الأمر الظاهري فيما إذا كان حكمها الواقعي الحرمة، ليس شيء منهما ملزوما للحب والإرادة أو البغض والكراهة في نفس الآمر والناهي بالنسبة إلى فعل الشيء المشكوك في تلك الواقعة أو إلى تركه، وإنما تلك الخطابات أحكام صورية - خالية عن الرضا النفساني أو الحب والبغض أو الكراهة والإرادة - دعت مصلحة خارجية إلى توجيهها على هذا النحو نحو المكلف، فالحب والبغض والإرادة والكراهة الواقعيات ثابتات في نفس الآمر بالنسبة إلى المصلحة والمفسدة الواقعيتين في تلك الوقائع، وليس في نفسه حب وبغض [بالنسبة] إلى طرف نقيض متعلق الحب والبغض من حيث المصلحة والمفسدة الواقعيتين، وكذا ليس في نفسه إرادة أو كراهة غير اللتين في نفسه بالنسبة إلى المصلحة والمفسدة الواقعيتين.
نعم الإرادة والكراهة الواقعيتان ليستا بحيث توجبان استحقاق العقاب على مخالفة الأمر والنهي الواقعيتين الناشئين منهما، وإنما [توجبانه] (1) إذا علم المكلف بالأمر والنهي الواقعيتين، أو قام عنده طريق ظني معتبر عليهما.
وبالجملة: المتحقق في نفس المكلف - بالكسر - في تلك الوقائع - زائدا على الإرادة والكراهة بالنسبة إلى الفعل من جهة المفسدة أو المصلحة الواقعيتين - إنما هو الإرادة [بالنسبة] إلى مجرد توجيه نفس الخطابات الظاهرية