فهذا عبد الملك بن مروان - على سبيل المثال - الذي يدعي البعض أنه كان يحاول أن يكون أقل عنفا من أسلافه مع العلويين، فيقال إنه كتب إلى عامله في الحجاز كتابا جاء فيه: جنبني دماء آل أبي طالب، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا. وإذا صح عنه أنه كان أرفق بالعلويين وشيعتهم من أسلافه، فذلك لأنه قد أدرك مدى الاستياء الذي خلفته سياسة معاوية وولده يزيد معهم، وما ترتب عليها من الانتفاضات في مختلف أنحاء الدولة لا سيما وقد ظهر منافسه الجديد - عبد الله بن الزبير - في الحجاز، واتسعت أطماعه للعراق وغيرها من المناطق، لكن هذه الظاهرة من عبد الملك لم ترافقه طيلة حكمه، فما أن تم له القضاء على خصمه ابن الزبير حتى كتب إلى عماله وأمرهم بالشدة والقسوة على شيعة أهل البيت، وأمر الحجاج بأن يذهب إلى العراق وقال له: احتل لقتلهم فقد بلغني عنهم ما أكره، وإذا قدمت الكوفة - وهي مركز التشيع - فطأها وطأة يتضاءل لها أهل البصرة (١).
وراح هذا الطاغية السفاك يراقب تحركات الإمام وتصرفاته، ويبث العيون لرصد ارتباطاته بالموالين له من الأمة، واتخذ بعض الإجراءات الوقائية للحد من لقاء جماهير الشيعة بإمامها؛ لكنه غفل - وكذا:
﴿أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون﴾ (2) - عن أن حب آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والولاء لهم إنما هو في ضمير ووجدان محبيهم لا يزيله التضييق والإرهاب والقسوة، بل ذلك ما يزيده إلا عمقا ورسوخا وصلابة.
هذا مع المتساهلين مع أهل البيت النبوي (عليهم السلام) وشيعتهم، فما ظنك بالعتاة المتشددين.. كالطاغية الحقود هشام بن عبد الملك، الذي ورث حقد أسلافه على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار، إذ ما فتئ يتربص بالإمام الدوائر ويتحين الفرص لأذاه والنيل منه، والبطش به، حتى دس للإمام (عليه السلام) السم المثمل فقتله.