قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه - وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم - فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه:
فعلت ذلك فرقا (1) من محمد، قال: ويحكم اعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب (2) تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا (3) بالحراب بطني وتقضمني (4) الثعبانان.
هذا أكبر مما اعطي موسى (عليه السلام) ثعبان بثعبان موسى وزاد الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ثعبانا وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آباءهم، فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به؟ فقالوا: لا. قال: فأنا أقتله، فإن شاء بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني، قالوا: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: إنه كثير السجود حول الكعبة، فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته به.
فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فطاف بالبيت اسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه، أقبل فحل من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاغرا (5) فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله فرجع مدمى، متغير اللون، يفيض عرقا.