به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام، في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنا بالعلم فتدلى فدلي له من الجنة رفرف أخضر، وغشي النور بصره فرأى عظمة ربه عزوجل بفؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، فكان فيما أوحى إليه: الآية التي في سورة البقرة قوله: ﴿لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير﴾ (١).
وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرضت على الامم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرضها على امته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه، فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) فأجاب (صلى الله عليه وآله وسلم) مجيبا عنه وعن امته ﴿والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله﴾ (2) فقال جل ذكره: لهم الجنة والمغفرة على أن فعلوا ذلك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أما إذا فعلت ذلك بنا، فغفرانك ربنا وإليك المصير، يعني المرجع في الآخرة.
فأجابه الله عز وجل: قد فعلت ذلك بك وبامتك، ثم قال عز وجل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الامم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها امتك، فحق علي أن أرفعها عن امتك، وقال: (لا يكلف