وكانت نتيجة توقف أبي موسى عن استنفار الناس للجهاد أن غضب عليه علي بن أبي طالب فعزله (مذموما مدحورا) كما جاء في كتاب العزل.
ومما ذكرنا يعلم أن الرجلين مختلفان في المبدأ، فعلي يرى أن أبا موسى قد خانه، وهذا يرى أن عليا لا يجوز نصره إلا بعد أن قتل قتلة عثمان. وما دامت الصلة بينهما على هذه الحال فأي حكيم عاقل يتصور أن يكون أبو موسى الذي طالما ثبط الهمم بالأمس عن مساعدة علي ظهيرا له اليوم مع ما يضمره كل من الرجلين من الحقد والكراهية للآخر؟ سيما أن أبا موسى يرى أن عبد الله بن عمر أليق بالخلافة، وما دام هذا رأيه فلا ينتظر منه غلبا عليها.
هذه كانت ميول أبي موسى نحو علي، وتلك كانت علاقته به، وليس الأمر كذلك بين عمرو ومعاوية، فعمرو يميل إلى معاوية ويحب تأييده وتثبيت خلافته، ويتفق معه في الغرض الذي كان يرمي إليه، وهو المطالبة بدم عثمان، وهو مع ذلك رجل عر ف الدنيا وحنكته التجارب فلا يهمه إلا الوصول إلى مقصوده مهما استعمل في سبيل ذلك من الخدع وابتكر من ضروب الحيل - ومثل هذين لا يتفقان. ولا أدل على تقدير كل من الرجلين وما ينتظر أن يكون من أمرهما من قوله معاوية لعمرو (وأنا وأهل الشام راضون بك، وقد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي) وقول عبد الله بن العباس لأبي موسى (إن عليا لم يرضى بك حكما، وقد ضم داهية العرب معك).
على أن المؤرخين يظلمون أبا موسى حين يرمونه بالغفلة وقصور الرأي، وأما نحن فنعتقد أن الرجل قد اختير عن أهل العراق فنصح لهم وصادف أن خالف رأيه رأي علي وبني هاشم، فكان هذا مصدر سوء حظه، وليس من شك في أن رأي أبي موسى كان رأي طائفة عظيمة من معاصريه.