ولنترك الآن عمرا في فلسطين يتهيأ للزحف على مصر، ونلقي نظرة في حالة هذا البلد الجديد، فنرجع للوراء زهاء قرنين لنأتي بمجمل حال تلك الأمة الدينية والسياسية من أيام قسطنطين: أي منذ القرن الرابع الميلادي حتى الفتح الإسلامي. ليتبين كم قاسى أبناؤها من حمل النير الأجنبي، ولنعرف كم كانت ترزح تحت أعباء تلك الفتن، وتئن أنين الثكلى، مما كان يفتك بأهلها من الظلم، ويستنزف دماءهم من المكوس والضرائب، وتستأصل زهرة شبابهم الاختلافات الدينية والحروب الأهلية، حتى أصبح أهلها يفضلون الموت على حياة كلها تعاسة وشقاء وظلم وبلاء.
أ - لحالة الدينية كانت الأمة المصرية وثنية إلى عهد القيصر (أغسطوس) الروماني حيث ولد المسيح عليه السلام.
فأصبحت تتوالى النقم من قياصرة الروم على النصارى قتلا وتعذيبا وتشريدا حتى جاء القيصر (دقلديانوس) فأغلق كنائسهم، وأسرف في قتلهم، ولم يفتر عنهم يوما واحدا لاستئصال شأفتهم وإبطال النصرانية.
وكان يرجع وقوع ثورة المصريين في عهد (دقلديانوس) إلى سببين أحدهما سياسي، والآخر ديني.
في الشطر الأول من حكم (دقلديانوس) قامت الثورات في الإسكندرية، فقد ثار أحد الضباط المدعو (لوسيوس دميتيوس دومتيانوس) وكان رومانيا لقبه المصريون أخيلوس، ونادوا به إمبراطورا، لذلك اضطر دقلديانوس إلى الحضور بنفسه إلى مصر لإخماد هذه الثورة التي لم يفرغ منها إلا سنة 296 م. وحاصر مدينة الإسكندرية ثمانية شهور، ثم استولى عليها عنوة، وكانت نتيجة هذا