ه - احتراف عمرو التجارة من العلوم أن تربة مكة صخرية تبعد عنها المزارع. وقد ذاعت شهرة قريش، وامتازوا على غيرهم من العرب بالنشاط، وكان لهم احترام في نفوس غيرهم من القبائل، ومكانة لا تنكر، لأنهم ولاة الكعبة الذابون عن حياضها. الحافظون مجدها. ولكن تربة بلدهم حالت دون اشتغالهم بالزراعة. إلا أن مركز مكة الجغرافي قد ساعد قريشا على ممارسة التجارة. فكانت مكة واسطة عقد التجارة بين اليمن والشام والحبشة. فامتازوا بالنقل بين هذه البلاد. وكانت ميناء جدة التي تبعد عن مكة بنحو أربعين ميلا واسطة عقد التجارة بينها وبين الحبشة.
فكانت تحمل كنوزها (الحبشة) في جزيرة العرب إلى القطيف في إقليم البحرين. حيث تنقل في القوارب مع واللؤلؤ الذي كان يستخرج من سواحل الخليج الفارسي إلى مصب الفرات.
وتقع مكة في نحو منتصف المسافة بين اليمن جنوبا والشام شمالا. وكانت إبل قريش تحمل الطيب من أسواق صنعاء، ومن موانئ عمان واليمن، ومن أسواق بصرى ودمشق كان يشتري القمح والمصنوعات. لذلك كانت قريش حضرا أهل تجارة، وتجارتهم قائمة بالحجاج الذين يفدون إلى مكة من جميع الجهات في المواسم. فكانت الكعبة مصدر أرزاق أهلها، ولولاها ما استطاعوا الحياة في ذلك الوادي، وهو غير ذي زرع. وقد أكسبتهم أسفارهم ومخالطهم العالم الممتدين في أطراف العراق والشام، وفي بلاد الحبشة واليمن خبرة وتجربة وذكاء حتى صاروا أوسع العرب علما وأكثرهم خبرة ودراية. لذلك بذلوا العناية القصوى في إدارة شؤون الكعبة، وسهلوا على الناس القدوم إليها. وقد بلغ من اهتمامهم بالتجارة أنهم كانوا يرحلون رحلتين في العام: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام. وكانت بلاد العرب وعرة إلا عليهم فلم يكن لأهل الشام والحبشة وغيرهما من