فندب إليهم علي قوما فأجلوا رجال معاوية عن الماء، فأرسل إليه معاوية يستأذنه في وروده فأذن لهم! وبعد يومين من نزول علي على هذا الموضع بعث إلى معاوية يدعوه إلى اتحاد الكلمة، والدخول في جماعة المسلمين، وطالب المراسلة بينهما فاتفقا على الموادعة إلى آخر المحرم سنة 37 ه، ولم يتفقا في غضون هذه المدة على شئ، ودارت رحى الحرب بينهما من جديد (1).
ومن أطلع على ما كان من أمر سفراء علي واشتدادهم على معاوية، وكذا اشتداد سفراء معاوية على علي، لا يسعه إلا أن يحكم بأن عدم نجاح هؤلاء المندوبين كان راجعا لقلة خبرتهم بالسياسة، وشدة ميلهم إلى الحرب، مما أفسد القلوب وزاد الفرقة يظهر من رواية الطبري أن رسل علي إلى معاوية كان فيهم غطرسة، فكانت كلمات الشر والتفريق والتغالي تبدر من ألسنتهم، ولم يكونوا ليصلحوا رسل صلح، فكان معاوية يسئ الرد عليهم - والظاهر أن القوم قد ثملوا بالانتصار على أهل الجمل بالبصرة، فظنوا أن ينالوا من جيش معاوية ما نالوا من جيش عائشة.
ولما انقضى المحرم أعادوا القتال سيرته الأولى، فلما كان اليوم الأول من صفر سنة 37 للهجرة، ابتدأت الحرب من غير أن يقف كل الجمعين وجها لوجه، بل كان كل يوم يخرج قائد من هنا وقائد من هنا حتى إذا مضت سبعة أيام قال علي لجنده: حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بجمعنا؟ فباتوا يصلحون أمرهم، وفي ذلك يقول الشاعر:
أصبحت الأمة في أمر عجب * والأمر مجموع غدا لمن غلب فقلت قولا صادقا غير كذب * إن غدا تهلك أعلام العرب