هذا ما نراه أقرب إلى المعقول فيما وقفنا عليه - ورب قائل يقول إن تبعة ما وقع من عمرو يوم صفين وفي يوم التحكيم واقعة عليه لا محالة. فنجيب بأن الذنب ليس ذنبه. بل هو ذنب الذين خالفوا عليا ولم يتبعوا رأيه، وقد كان قاب قوسين أو أدنى من الانتصار - على أن عمرا ذلك الرجل الفذ إنما أراد أن يصل إلى غايته من أي طريق يسلكه مهما استعمل في سبيل ذلك من الخدع والدهاء التي امتاز بها على العرب كافه. وقد أدى لصاحبه حق الخدمة، وعمل بما تقضي به صفة الدهاء والسياسة الموصوف بهما، بينما لم يبلغ هذه الصفة أبو موسى الذي كان يرى عدم نصرة علي واجبا شرعا ما دام قتلة عثمان في صفوفه.
وإن كنا قد أنجينا باللائمة على كل من عمرو ومعاوية لاتباعهما هذه السياسة التي أدت إلى خلع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأن تدخلهما كان لأغراض شخصية وأهواء، وأن دهاء عمرو قد ساعد على تحقيق غرضه والوصول إلى غايته، فلا ينبغي أن يعزب عن بالنا أمر على جانب عظيم من الأهمية، وهو أنه نظرا للحالة السياسية التي وصلت إليها الأمة العربية في ذلك الزمن، كان لا بد من حدوث هذا التغيير إما على أيدي عمرو ومعاوية أو على يد غيرهما. وكل ما يقال في عمرو ومعاوية أن الظروف قد تهيأت لهما فاستفادا منها فوجدا من قتل عثمان سبيلا إلى إحداث هذا التغيير الذي حصل في الواقع من جهتين متباينتين.
الأولى: جهة عربية خاصة: وهي أنه لما تولى عثمان بن عفان الخلافة طمع بنو أمية في أن يستردوا سلطانهم على قريش، ولو تم لهم ما أرادوا لاستقر سلطانهم على الأمة الإسلامية بأجمعها. وقد تولى منهم عثمان، وولى ذوي قرباه على الأمصار. بحيث لو طالت