ز - عمرو ومقاييس النيل وزيادته لا ريب في أن حياة مصر متوقفة على النيل، وعلى هذا يتوقف محصول البلاد، الذي يزداد بزيادة مائة، وينقص بنقصانه، لهذا لم يأل حكام مصر منذ الأزمان الغابرة جهدا في قياس درجة فيضانه في كل سنة في مواضع كثيرة، لأن القياس المذكور هو القاعدة في ربط المال وتوزيعه على البلاد، وعليه يتوقف تنظيم الخراج، ولم يعزب عن بال عمرو ضرورة قياسا مضبوطا، ليتأتى له جباية الأموال بالقسط والعدل.
فلما فتح العرب مصر، عرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلقي أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن حده، فكتب إلى عمرو يسأله عن شرح الحال فأجابه: إني وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم، ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان، وهما الظمأ والاستبحار اثنى عشر ذراعا في النقصان وثمانية عشر ذراعا في الزيادة، فكتب إليه عمر أن يبنى مقياسا، وأن يضيف ذراعين على الاثني عشر ذراعا: وأن يقر ما بعدها على الأصل، وأن ينقص من ذراع بعد الستة عشر ذراعا إصبعين، ففعل ذلك وبناه بحلوان، وجعل الاثني عشر ذراعا أربعة عشر ذراعا، لأن كل ذراع أربعة وعشرون إصبعا، فجعلها ثمانية وعشرين من أولها إلى الاثني عشر، ثمانية وأربعين إصبعا وهي الذراعان، وجعل الأربعة عشر ستة عشر، والستة عشر ثمانية عشر، والثمانية عشر عشرين، وهي المستقرة الآن، المقريزي (ج 1 ص 74).