ج - استيلاء عمرو على الفرما غادر عمرو العريش وما حواليها من حراج النخيل متجها نحو الغرب على بعد من الشاطئ مجتازا صحراء جرداء يكتنفها في بعض الأمكنة قرى ومواضع يجري فيها الماء. وكان هذا الطريق الموصل إلى بلاد مصر منذ الأحقاب المتطاولة هو الطريق الذي سار فيه المهاجرون والفاتحون، فهو طريق إبراهيم ويوسف وقمبيز والإسكندر، كذلك كان طريق التجار والسائحين والحجاج في كل العصور، بل وطريق القوافل الذي يصل آسيا بإفريقية - ولم يشتبك مع جند الروم في قتال - حتى وصل إلى الفرما (پيلوز) وهي مدينة قديمة العهد ذات حصون قوية وكنائس وأديرة. وكان لها ميناء على البحر يصل إليها جدول ماء من النيل وكانت الفرما بمثابة مفتاح مصر ذات أهمية كبرى.
حاصر عمرو هذه المدينة نحو من شهر (1) وأخيرا استولى المسلمون على أحد أبوا ب المدينة، بينما كان جند الروم مشتغلين برد حملة العرب، فوقعت المدينة في أيدي المسلمين، وكان من المحتمل استيلاء عمرو عليها في أقل من شهر، لولا قلة جنده. ولم يدم جيش الفرس في الزمن السابق على حصارها طويلا بعد أن صدع جوانب أسوارها، وخرب معظم كنائسها. ولا بد أن يكون قد رمم الروم ما دمره الفرس أثناء غزوتهم لمصر، فعادت هذه الأسوار منيعة على المغيرين. لذا نرى أن عمرا قد عمد إلى حصارها، وبحسن صبر المسلمين وجلدهم تمكنوا من هزيمة الروم والاستيلاء على المدينة.