د - رفض هرقل الصلح واستئناف القتال بين المسلمين والروم لما تعاهد عمرو والمقوقس على ما تعاهدا عليه، شرط المقوقس للروم على أن يخيروا بين الرضى بما القبط، وبين اللحاق ببلاد الروم، وكتب إلى (هرقل) بما تم عليه الصلح. فكتب إليه كتابا يوبخه فيه على التسليم ويحتقر قوة المسلمين. وكتب بمثل ذلك إلى قواد الروم فأعادوا الكرة على المسلمين ونبذوا صلحهم. أما المقوقس فلم يعبأ بقول هرقل، بل أقبل على عمرو وأعلمه أنه لم يخرج عما عاقده عليه، وأن القبط متمون له على ما صالحهم عليه. فطلب منه عمرو أن يضمنوا له الجسرين جميعا، ويقيموا لهم الانزال والضيافة والأسواق والجسور بين الفسطاط والإسكندرية، وصارت لهم القبط أعوانا (ابن عبد الحكم ص 64) وقد عد مؤرخو الفرنج أن هذا العمل خيانة من المقوقس، ولكن إذا ثبت لنا أن جند الروم قد بلغوا من الضعف بحيث لم يتمكنوا من رد العرب وهم عصبة قليلة، فلم يمكنهم التغلب عليهم، وقد دوخوا الفرس وقهروا هرقل، وقد سئم المصريون حكم الروم لظلمهم وعسفهم، وبلغهم أن المسلمين لم يتعرضوا لأهالي البلاد التي افتتحوها فأطلقوا لهم حرية الفكر والدين. إذا ثبت كل ذلك جاز أن نلتمس له عذرا فيما فعل.
والمتأمل لعهد الصلح بين عمرو والمقوقس يرى أنه شمل قبط مصر كلهم، مع أن عمرا لم يفتح بعد بقية البلاد التي استعصت عليه في القتال. فهل نقض القبط عهد الصلح؟ أم حامية الروم في البلاد هي التي ناوأت عمرا العداء، ووقفت في وجهه مدة طويلة؟ والذي يلوح لنا ترجيح الأمر الثاني، وإذا كان بعض القبط قد اشتركوا مع الروم فلم يشتركوا إلا مرغمين.