أولا: إلى أن يكسب له منا لوقت ما يمكنه من جمع جيشه وتقويته ولم شعثه، وكان يعلم أن جيش علي متخاذل، وقد وفق في هذا كله فتخاذل جيش علي. وليس أدل على ذلك من خروج الخوارج، ومن عجز علي بعد انقضاء الهدنة عن تسريح جيش لقتال معاوية.
ثانيا: وكان يرمي عمرو إلى أن يسوي بين علي ومعاوية بأن يجرد عليا من صفة الخلافة التي كان يدعيها، وقد وصل إلى ذلك باتفاقه مع أبي موسى على خلع الرجلين وجعل الأمر شورى بين المسلمين. ولم يكن عمرو يشك في أن عليا لن يقبل هذا الحكم، وفي أن أهل العراق لن يقبلوه أيضا، ولكنه كان يشك في أنه سيكسب طائفة القراء والمتورعين، وربما كسب الصحابة الذين اعتزلوه، وليس هذا بالشئ القليل.
وعلى كل حال فاستخلاف معاوية بن أبي سفيان توقف بلا ريب على ما كان بين عمرو وأبي موسى من البون الشاسع في المقدرة السياسية ودرجة إخلاص كل منهما، وما أوتيه عمرو من المكر والدهاء والمكيدة التي اشتهر بها لدى العرب كافة.
أما من حيث إخلاص كل من الرجلين وتفانيهما في نصرة صاحبيهما.. عمرو بن العاص قد اختاره معاوية لاعتقاده بمقدرته وحنكته في تذليل أمثال هذه الصعوبة، ورضي به أهل الشام عن طيبة خاطر، وأكره علي على اختيار أبي موسى، ولم يكن ليرضى به حكما لأسباب منها:
أولا: لأنه كان يعلم علم اليقين أن مثل أبي موسى لا يقوى على مناظرة داهية العرب، وأنه مغلوب على أمره لا محالة، ذلك لأن أبا