ه - وفاة عمرو إلى هنا انقضت ولاية عمرو الثانية على مصر بانقضاء أجله، فاغتالت يد المنون رجلا من شجعان العرب وأبطالهم ودهاتهم، كان غرة في جبين الإسلام، ذا همة عالية، وإقدام على المكاره في سبيل الوصول إلى متمناه، اشتهر بتحببه إلى أهل مصر ببذل العدل فيهم فأحبوه وخضعوا له في ولايتيه الأولى والثانية حتى مات، ففي يوم عيد الفطر سنة 34 للهجرة هبط نجم من النجوم الساطعة، وتقوض ركن من أركان الدين، وانكسفت شمس سعادة مصر، وأفعمت قلوب الأهلين حزبا وكمدا، فبكوا في فقد عمرو العدل والوفاء والجد والشجاعة والإقدام، فكان هذا اليوم من أيام مصر المشهودة خيم فيه الحزن في جو البلاد قاصيها ودانيها.
روى ابن عساكر قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في ساعة الموت، فولى وجهه إلى الحائط وجعل يبكي طويلا فقال له ابنه (ما يبكيك أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك بكذا؟) فأقبل عمرو بوجهه وقال: (إن أفضل ما يعد على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، ولكني قد كنت على أطباق ثلاث، قد رأيتني وما أحد من الناس أبغض إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحب من أن أتمكن منه فأقتله، فلو مت على تلك الطبقة كنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت: ابسط يدك لأبايعك، فبسط يده، ثم إني قبضت يدي فقال: (ما لك يا عمرو؟) فقلت: أردت أن أشترط. فقال: (تشترط ماذا؟) فقلت: أن تغفر لي ما تقدم. فقال: (أما عملت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان