استعارا تدخل بعض المسلمين في الأمر وأصلحوا بين الرجلين (وإن كان هذا الصلح ظاهريا) على أن يكتب بينهما كتاب بمثابة ضمان لكل منهما خلاصته:
1 - أن تكون لعمرو ولاية مصر سبع سنين.
2 - وأن على عمرو السمع والطاعة لمعاوية.
وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهودا، ثم مضى عمرو إلى مصر واليا عليها، وذلك في أواخر سنة 39 ه فلم يمكث غير ثلاث سنوات تقريبا حتى مات وهو أمير عليها.
وصفوة القول أن المودة والوئام لم يدوما بين عمرو ومعاوية، لأن عمرا كان يود أن تكون له الشام مع مصر، ومعاوية قد استكثر عليه مصر. ومثل هذين الرجلين لا يتفق لهما أمر، فيعلم مما تقدم أنه اتفاق ظاهره المحبة وباطنة يشعر بالدهاء، وأن عمر لم يبايع معاوية حبا به أو مودة له، بل طلبا لمصر ورغبة في استرجاع ما كان له عليها من سلطان - ولم يكن معاوية أيضا بأقل بغضا منه. يدلك عليه ما روي أن معاوية قال يوما لجلسائه (ما أعجب الأشياء) فقال يزيد (أعجب الأشياء هذا السحاب الراكد بين السماء والأرض لا يدعمه شئ من تحت ولا هو منوط بشئ من فوقه) وقال آخر (حظ يناله جاهل وحرمان يناله عاقل) وقال آخر:
(أعجب الأشياء ما لم ير مثله) وقال عمرو بن العاص: (أعجب الأشياء أن المبطل يغلب المحق (يعرض بعلي ومعاوية) فقال معاوية: (بل أعجب الأشياء أن يعطى الإنسان ما لا يستحق إذا كان لا يخاف (يعرض بعمرو ومصر التي أخذها له طعمة).