موسى رجل ديني لم يذق للسياسة طعما، وهذه المسألة فضلا عن كونها دينية بحتة، إلا أنها تحتاج إلى الحنكة والدراية بالأمور السياسية أكثر مما تحتاج إلى الالمام والتعمق في أصول الدين، فكانت النتيجة خذلانه وتفوق عمرو عليه (1).
ثانيا: كذلك لم يكن علي ليرضى بأبي موسى حكما لأنه ليس بثقة، فقد فارقه وخذل الناس عنه حين جاءه أهل الكوفة يستشيرونه في الخروج مع علي فقال لهم: أما سبيل الآخرة، فإن تقيموا وأما سبيل الدنيا فإن تخرجوا. وقال: أما والله إن بيعة عثمان رضي الله عنه في عنقي، فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان إلا قتلوا حيث كانوا. وأبو موسى رجل يكره الفتن كما يظهر من قوله لأهل الكوفة: ولا تكلفوا الدخول في هذا. فإنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، فكونوا جرثومة من جراثيم العرب فاغمدوا السيوف، وانصلوا الأسنة، واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة - وغير ذلك من الأقوال التي تثبط الهمم وتضعف العزائم. ويظهر أن تثبيط أبي موسى الناس عن علي كان لتوهمي إيواءه قتلة عثمان، فكان يرى ضرورة قتل هؤلاء النفر ووجوب قتالهم شرعا، كما يتبين من أحد خطبه من قوله:
فثبطوا أيها الناس، واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.