أخبار عمرو مع عثمان غضب عمرو غضبا شديدا وحقد على عثمان لعزله إياه، وكان ذلك سب العداوة والبغضاء بينهما، ولما قدم عمرو بعد اعتزاله إلى المدينة، دخل على عثمان وعليه جبة يمانية محشوة قطنا فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال عمرو: قد علمت أن حشوها عمرو. فقال عثمان: ولم أرد هذا. إنما سألت أقطن هو أم غيره؟
ومما يدلك على شدة غضب عمرو لعزله وتولية عثمان رجلا يعتبر نفسه أعظم كفاءة منه وأكثر تجربة، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأله لما قدم المدينة: كيف تركت عبد الله بن سعد؟ قال عمرو: كما أحببت. قال: وما ذاك؟ قال عمرو: قوي في ذات نفسه. ضعيف في ذات الله: فقال له عثمان: لقد أمرته أن يتبع أثرك. فقال عمرو: لقد كلفته شططا. فهذا يبين شدة حنق عمرو وسخطه على عثمان وعلى واليه الجديد.
لم يبق عمرو بالمدينة بل اعتزل بفلسطين في قصره المسمى (العجلان) وإنما مكث يرقب الأمور، وكأنه كان لا يشك في أن الأمة سيكون بينها وبين خليفتها حدث، فأشفق من الإقامة في المدينة، حتى لا يناله من هذه الثورة التي كان ينبأ بها شر، وما كان تردده بين المدينة وفلسطين إلا استكشافا لما سيقع. على أن عثمان لم تفته إصابة رأي عمرو، فكان يستشيره في مهام الأمور، سيما حين سعرت نار الفتنة وتفاقم شرها، وكان عثمان يميل أي استشارة عمرو حين كانت الأمة تمخض بشر. فقال: ما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبك، فتشتد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، وإن الشدة