ب - عمرو وفتح الإسكندرية كانت مدينة الإسكندرية ثانية عواصم الإمبراطورية الرومانية الشرقية كما قدمنا، وأول مدينة تجارية في العالم. لذا عنى الرومان والبطالسة من قبلهم بتحصينها، لتقوى على رد غارات المغيرين، وصد هجمات الفاتحين، ولوقوعها على بحر الروم كان يتدفق عليها المدد من إمبراطور الروم. ولم يكن لدى عمرو من السفن ما يمنع المدد من أن يصل إلى المدينة، وكانت حامية الروم لا تقل عن خمسين ألف جندي، مزودين بالمؤن الوفيرة. ولم تكن دربة العرب كافية في استعمال آلات الحصار (وقد استولوا على كثير منها عقب انتصاراتهم على الروم في الوقائع السابقة، ولم يتمكنوا من نقلها). لذلك عولوا على الاستمساك بالصبر وعمل الحيلة في الأعداء حتى يختم الله بالنصر، كما فعلوا في حصارهم لدمشق وحلب وقيصرية من مدن الشام. وكانت قوة عمرو ضئيلة إذا قورنت بحامية الروم، لأنه لا بد أن يكون قد فقد من جنده أثناء الوقائع السابقة عدد غير قليل. وإذا كانت قوة عمرو قد بلغت خمسة عشر ألفا وخمسمائة أثناء حصاره لحصن بابليون، فلم يزد عددهم عن اثني عشر ألفا على وهو حصار الإسكندرية. وعندنا أن هذا العدد لا يكفي مطلقا لاقتحام حصون المدينة التي لا ترام، فلا بد أن يكون جيش عمرو أكثر من هذا العدد بكثير، سيما إذا ذكرنا أن القبط كانوا للعرب أعوانا، وأن عددا كبيرا منهم انضم تحت لوائه، ومهد له بعضهم سبيل الاستيلاء على المدينة.
نزل المسلمون (1) ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه