وعلم أن الله تعالى سائله عما احتقب في دنياه، فعاد على نفسه باللوم، وتمنى الخروج من كل ما أوتى، إذا كان ذلك كفارة عما غمس يده فيه، وهو ندم ظاهر ترجى معه المغفرة لمن يقبل المثوبة من عباده، ويعفو عن السيئات إنه هو التواب الرحيم.
وكان عمرو لطيف الأخلاق طيب الفكاهة، أراد معاوية أن يختبر بديهته يوما فقال عمرو (أخرج من عندك) فأخرجهم معاوية فقال عمرو: (يا أمير المؤمنين أسارك) فأدنى معاوية رأسه منه، فقال عمرو:
(من معنا في البيت حتى أسارك؟).
أما سياسة عمرو فلم تخف على العرب في جاهليتهم قدرته فيها، فندبوه ليكون رسولهم إلى النجاشي، وندبه النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه ليكون رسوله لدى ملك عمان، ولا يعزب عن بالنا حسن سياسته في مصر، وكيف ألف بين قلوب المصريين واستمالهم إليه وسار معهم على نهج العدل، وسعى في ترفيه حالهم وترقية شؤونهم ورعى معهم حرمة العهود والمواثيق، وإن ذكرى موقعه صفين لا تزال ترجف لاسمه هيبة - تلك الموقعة التي أشرف فيها جيش على على الانتصار فلم يثن ذلك من عزيمة عمرو، وسرعان ما ابتكر من ضروب الحيل ما أوقع بجند علي فانقسموا على أنفسهم وغلبوا على أمرهم، وقد كان من وراء تلك السياسة ما فصلناه.
هذه هي نفس عمرو وقد حللناها تحليلا، ونحن نرجو أن نكون قد وفقنا إلى إثبات أن عمرا قد كان أحسن مثال للعربي في هذا العصر الذي ظهر في الإسلام وانتشر وامتدت فتوحه، فكان ممن أعان على ظهوره وانتصاره، وكان من غير شك أحد المؤسسين لدولة العرب التي لن يزال اسمه مقرونا بها.
فرحم الله عمرو بن العاص رضي الله عنه، ورحم من ترحم عليه.
تم بحمد الله