ز - عمرو وهزيمة قسطنطين بن هرقل ظل عمرو مع جيشه بفلسطين ردحا من الزمن للقضاء على القوة التي كانت لا تزال (قسطنطين بن هرقل) فسار إلى قيسارية (قيصرية) حيث عسكر قسطنطين بجيش كثيف. وقد تغلبت على هذا الأمير عوامل الخوف حين علم بسقوط طبرية في قبضة العرب وهروب والده من أنطاكية، وتوهم وقد تملكته الهواجس أن عمرو بن العاص اخترق أسوار المدينة، فانسل من قصره هو وأسرته خفية، ورحل إلى القسطنطينية كما رحل أبوه من قبل. ولما أصبح الصباح، وقد علم الأهلون بهرب أميرهم - سلموا لعمرو فقبل منهم. وسرعان ما وافق على الشروط، وقد تاقت نفسه للرحيل لغزو مصر. وكان ذلك سنة 17 ه (639 ه).
اضمحل بعد ذلك سلطان الروم من البلاد السورية بعد حروب طويلة لاقى المسلمون في غضونها المشاق والأهوال وقاسوا طويلا من شدة بردها، وقتل من جندهم عدد غير قليل، سيما في وقائع اليرموك ودمشق وبيت المقدس وحلب، فكان عدد من قتل في حروب الشام كما ذكر (إيرافنج) يناهز خمسة وعشرين ألفا من المسلمين مما جعل ثمن هذه البلاد عليهم غاليا، والدماء التي أهدرت عزيزة.
وقد رأينا أن عمرا قد وقف في هذه الحروب موقف الذي الذي لا يضمن بحياته ولا بقوته على المسلمين، وهو مع ذلك كان يبذل ما يستطيع من جهد لحقن دمائهم، وبذل أقل ما يمكن منها في سبيل الحرب.
فهو في الوقت نفسه قائد شجاع ومدبر ناصح، له من الحزم والأناة حظ قلما ظفر به غيره من قواد المسلمين إذ ذاك.