سفيان أن تمكن هذا من سلخ ما كان تحت سلطان علي بن أبي طالب شيئا فشيئا حتى فاجأته يد المنون سنة 40 للهجرة.
والذي نراه في هذه المسألة الدقيقة أنه إقرارنا لعمرو بن العاص بالدهاء والقدرة على النكاية بعدوه، أنه بعمله هذا لم يصب عليا وحده، ولا جند المسلمين فحسب، ولكنه أصاب الإسلام، وزاد كلمة المسلمين تفريقا، فإن عمله هذا هو الذي خلق مذهب التحكيم، وأوجد الخوارج، الذين كانوا أعداء لعلي ومعاوية على السواء. وقد مكث الإسلام يعاني من البلاء بهم شيئا كثيرا. وكل هذا نتيجة لعمل عمرو - ولم يكن من الصعب عليه أن يجد حلا لما بين علي ومعاوية من أول الأمر تحقن به الدماء وتصان الكرامة، وتجتمع عليه الألفة، ويكون له فخره بين الأمة قاصيها ودانيها على مر الدهور - ونحن نعتقد كل الاعتقاد أن عمرو بن العاص كان قادرا على ذلك لو شاءه، ولكن الرجل كان لا يأمل أن ينال مع علي ما يرغب، فجشم المسلمين الأهوال، وحملهم هو ومعاوية على مركب وعر، ولم يباليا في سبيل مآربهما بما حملا عليه الناس. وقد وجد عمرو من قتل عثمان مسوغا لأن تروج دعوى معاوية، فظاهره على أمره. ولو تريث علي كرم الله وجهه وصنع ما تقضي به السياسة من إرضاء المسلمين، وعدم عزل ولاة عثمان وقتل قتلته، لكي يدفع عن نفسه الريب فلا يجد معاوية داعيا قويا كهذا يبرر رفضه بيعة علي، ودعوة أهل الشام لحربه باسم الدين.
ولا يمكن أن نعتقد أن معاوية كان بعمله هذا يريد إحقاق الحق، بدليل أنه سكت عن المطالبة بدم عثمان ولم يتتبع بقية قتلته حين أفضت إليه الخلافة، ولم يمده حين كان محصورا بالمدينة، فكأنه كان ينتظر قتله.
إلا أنه إنما جعل المطالبة بدمه سبيلا إلى الخلافة، فلما حصل عليها سكن ثائره. وما قيل في معاوية يقال في عمرو فإنه لما تولى معاوية، كان أول ما طلب منه الاستيلاء على مصر والولاية عليها.