تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة عوالة، لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها، والرضا بها أن يكون كما قال الله تعالى: (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا) لم يكن امرئ منها في حيرة إلا أعقبته عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضراتها ظهرا، ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء، وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر منها جانب فأوبى، لا ينال امرئ من غضارتها رغبا إلا أرهقته من نوائبها تعبا، ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح عن قوادم خوف، غرارة غرور ما فيها فانية، فان من عليها لا خير في شئ من أزوادها إلا التقوى، من أقل منها مستكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه، وزال عما قليل عنه، كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة قد صرعته، وذي أبهة قد جعلته حقيرا، وذي نخوة قد ردته ذليلا، سلطانها دول، وعيشها رتق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذائها سمام، وأسبابها رمام، حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وموفورها منكوب، وجارها مخروب،. ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا وأبقى آثارا وأبعد آمالا وأعد عديدا وأكشف جنودا تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي ايثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد ولا ظهير قاطع فهل بلغكم ان الدنيا سخت لهم نفسا بفدية أو أعانتهم بمعونة أو أحسنت لهم صحبة، بل أرهقهم بالفوادح وأوهنتهم بالقوارع وضعضعتهم بالنوائب وعقرتهم للمناخر ووطئتهم بالمناسم وأعانت عليهم ريب المنون، فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها حتى ظعنوا عنها لفراق الأبد هل زودتهم إلا السغب وأحلتهم إلا الضنك أو نورت لهم إلا الظلمة أو أعقبتهم إلا الندامة، فهذه تؤثرون أم إليها تطمئنون أم عليها تحرصون فبئست الدار لم يتهمها ولم يكن فيها على وجل منها، فاعلموا وأنتم تعلمون بأنكم تاركوها وظاعنون عنها، واتعظوا فيها بالذين قالوا من أشد منا قوة حملوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا وانزلوا الاحداث
(٤٧٩)