فلا يدعون ضيفانا، وجعل لهم من الصفح أجنان ومن الترب أكفان ومن الرفات جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما، إن جيدوا لم يفرحوا وإن قحطوا لم يقنطوا، جميع وهم آحاد وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون وقريبون لا يتقاربون، حلماء قد ذهبت أضغانهم وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخشى فجعهم ولا يرجى دفعهم، استبدلوا بظهر الأرض بطنا وبالسعة ضيقا وبالأهل غربة وبالنور ظلمة فجاؤها كما فارقوها حفاة عراة قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة والدار الباقية كما قال سبحانه: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) ومن خطبة له عليه السلام:
الحمد لله الواصل الحمد بالنعم بالشكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به السراع إلى ما نهيت عنه، ونستغفره مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، علم غير قاصر وكتاب غير مغادر، ونؤمن به ايمان من عاين الغيوب ووقف على الوعود ايمانا تفي اخلاصه الشرك ويقيه الشك، ونشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل لا يخف ميزان توضعان فيه ولا يثقل ميزان ترفعان عنه. أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاد، زاد مبلغ ومعاد منجح، دعى إليها اسمع داع ووعاها خير واع فاسمع داعيها وفاز واعيها.
عباد الله ان تقوى الله حمت أولياء الله محارمه وألزمت قلوبهم مخافته، حتى اسهرت لياليهم واظمأت هواجرهم واخذوا الراحة بالنصيب والرأي واستغربوا الاجل فبادروا العمل وكذبوا الأمل فلاحظوا الاجل، ثم إن الدنيا دار فناء وعناء وغبر وعبر، فمن الفناء ان الدهر موتر قوسه لا تخطى سهامه ولا توسى جراحه، يرمي الحي بالموت والصحيح بالسقم والناجي بالعطب، آكل لا يشبع وشارب لا ينقع ومن العناء