أن المرء يجمع مالا يأكل ويبني مالا يسكن ثم يخرج إلى الله لا مالا حمل ولا بناء نقل، ومن غيرها انك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما، ليس ذلك إلا نعيما زل وبؤسا نزل، ومن عبرها ان المرء يشرف على أمله فيقتطعه حضور أجله فلا أمل يدرك ولا مؤمل يترك، فسبحان الله ما أغر سرورها واظمأ ريها وأضحى فيئها، لا جاء يرد ولا ماض يرتد، فسبحان الله ما أقرب الحي من الميت للحاقه به وأبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه، انه ليس شئ بشر من الشر إلا حقا به وليس شئ بخير من الخير إلا ثوابه، وكل شئ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شئ من الآخرة عيانة أعظم من سماعه فليكفكم من العيان السماع ومن الغيب الخبر واعلموا ان ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا فكم من منقوص رائح ومزيد خاسر، ان الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم فذروا ما قل لما كثر وما ضاق لما اتسع، قد تكفل لكم بالرزق وأمرتم بالعمل فلا يكونن المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله، مع أنه والله لقد اعترض الشك ودخل اليقين حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم وكأن الذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم فبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل فإنه لا يرجي من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق، ما فات اليوم من الرزق يرجى غدا زيادته وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته، الرجاء مع الجائي واليأس مع الماضي (فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
ومن خطبة له عليه السلام:
وروي أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام كان رجلا عابدا فقال يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني انظر إليهم، فتثاقل عن جوابه ثم قال:
يا همام اتق الله وأحسن فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فلم يقنع همام بذلك حتى عزم عليه، فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (ص) وصلى عليه ثم قال: أما بعد فان الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لأنه