فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله: معاشر الناس من منكم يعرف هذه الأرض؟ فقام إليه عمرو بن أمية الضيمري وقال: أنا أعرف هذه الأرض تسمى وادي الكثيب الأزرق يضل فيها الدليل ولا يوجد فيها ظل ولا ظليل لا يدخلها ركب إلا برك ولا جيش إلا هلك لا يدري أين طريقها خلية من الانس عامرة بالجن يقوى فيها الغيلان ويتحير الانسان.
قال: فلما سمع النبي (ص) ذلك وسمع المسلمون أيقنوا بالهلاك، ثم لاذوا برسول الله صلى الله عليه وآله مستجيرين به وقد حمى الهجير واسود البر من عظم وهج الحر، فقال (ص) من يعرف فيها بئر أيها المسلمون وأضمن له على الله الجنة فعندها قال عمر بن أمية الضيمري: ها هنا يا رسول الله بئر يقال لها بئر ذات العلم وفيه ماء أبرد من الثلج، إلا أنه لا يقدر عليه أحد، لأنه بئر معمور من الجن والعفاريت المتمردين على سليمان بن داود " ع " يمنعون الماء على الناس بلهيب النيران وعواصف الدخان ما نزل به ركب إلا أهلكوه ولا جيش إلا أحرقوه، وقد نزل به التبع اليماني فأحرقوا من عسكره عشرة آلاف فارس، ونزل به برهام بن فارس فهلك من عسكره خلق كثير، ونزل به سعد بن برزق فأهلك من عسكره بقدر عشرين ألف فارس، وأن جماجم القتلى حوله يا رسول الله كبيض النعام، فقال رسول الله (ص) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم انه نزل وأمر المسلمون فنزلوا وضربوا خيامهم والأرض ما تزداد إلا حرا وهم مع ذلك عطاش.
فعند ذلك نادي رسول الله (ص) وقال: معاشر الناس والمسلمين من يمضي إلى هذا البئر ويكشف لنا خبره وأضمن له على الله الجنة؟ فقام أبو العاص بن الربيع فقال: يا رسول الله صلى الله عليك إني به عارف وقد نزلت عليه ونحن في خلق كثير فلم نقدر عليه وخرجت علينا عفاريته، فما سلم منا إلا من سبق به جواده، ولكنا ذلك اليوم كنا نعبد الأصنام، واليوم قد هدانا الله بك يا خير الأنام، فقال له النبي (ص): أنت لها يا أبا العاص شكر الله لك مقالتك وقوى لك عزيمتك، ثم أمر له بالمسير وضم إليه عشرة من أصحابه، منهم أبو دجانة الأنصاري وقيس بن سعد بن