ثلاث ليال، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآهم ألاح لهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فاستفتح رفاعة بن زيد المنطق، فقام رجل من الناس فقال: (يا رسول الله، ان هؤلاء قوم سحرة) فرددها مرتين، فقال رفاعة بن زيد: رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا الا خيرا).
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له، فقال: دونك يا رسول الله (قديما كتابه حديثا غدره) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقر أه يا غلام وأعلن). فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبروه بما صنع زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أصنع بالقتلى؟) ثلاث مرار. فقال رفاعة: (أنت يا رسول الله أعلم، لا نحرم عليك حلالا ولا نحل لك حراما). فقال أبو زيد بن عمرو: (أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق أبو زيد). فقال القوم: فابعث معنا يا رسول الله رجلا يخلي بيننا وبين حرمنا وأموالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلق معهم يا علي). فقال علي:
(يا رسول الله ان زيدا لا يطيعني) قال: (فخذ سيفي هذا). فأخذه. فقال له علي: (ليس لي راحلة يا رسول الله). فحملوه على بعير ثعلبة بن عمرو ويقال له مكحال. فخرجوا حتى لقوا رافع بن مكيث الجهني، بشير زيد بن حارثة يسير على ناقة من ابل القوم، فردها على على القوم. ورجع رافع بن مكيث مع علي رديفا حتى لقوا زيد بن حارثة بفيفاء الفحلتين فقال علي:
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترد على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال). فقال زيد: (علامة من رسول الله) فقال علي: (هذا سيفه) فعرفه زيد، فنزل وصاح في ا لناس، فاجتمعوا فقال: (من كان معه شئ من سبي أو مال فليرده، فهذا (رسول) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد على الناس كافة كل ما كان أخذ لهم حتى كانوا ينزعون المرأة من تحت فخذ الرجل).
وروى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن محجن الديلي رضي الله تعالى عنه قال:
(كنت في تلك السرية، فصار لكل رجل سبعة أبعرة أو سبعون شاة وصار له من السبي امرأة والمرأتان حتى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله إلى أهله). قال في زاد المعاد: (وهذه السرية كانت بعد الحديبية بلا شك).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
جذام: بجيم مضمومة فذال معجمة فميم، قبيلة بجبال حسمى من معد.
حسمى: بحاء مكسورة فسين ساكنة مهملتين، أرض بالبادية غليظة لا خير فيها ينزلها جذام، ويقال آخر ما نضب من ماء الطوفان حسمى فبقيت منه بقية إلى اليوم وفيها جبال