(فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها وسمعت لغطا وغمغمة حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم) وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين (1) وقد تقدم بأبسط من هذا في باب اسلام الجن في أوائل الكتاب قبيل أبواب المعراج والله أعلم.
الباب الثامن والتسعون فيما روي عن اجتماع الياس به ان صح الخبر، صلى الله عليه وسلم قال أنس - واللفظ للحاكم - قال لي الياس: من أنت؟ قلت: أنا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأين هو؟ قلت: هو يسمع كلامك. قال: (فأته فأقرئه مني السلام وقل له أخوك الياس يقرئك السلام). قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا معه حتى إذا كنا قريبا منه تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأخرت. فتحدثا ط ويلا.
ولفظ الحاكم: (حتى جاءه فعانقه وسلم عليه، ثم قعدا يتحدثان. فقال الياس: (يا رسول الله، اني انما آكل في السنة يوما، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت). فنزل عليهم من السماء شبه السفرة. قال ابن أبي الدنيا. فيها كمأة ورمان وكرفس. وقال الحاكم: عليها خبر وحوت وكرفس. فأكلا وأطعماني وصليا، ودعه، وجاءت سحابة فاحتملته. وكنت انظر إلى بياض ثيابه تهوي به قبل الشام).
الحديث في سنده يزيد بن يزيد الموصلي التيمي (مولى لهم). قال ابن الجوزي والذهبي انه حديث باطل وأتهما به يزيد. قال الذهبي: انما استحى الحاكم من الله تعالى أن يصحح مثل هذا الحديث، وقال في تلخيص المستدرك: هذا موضوع، قبح الله من وضعه وما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح مثل هذا، وهو مما افتراه يزيد الموصلي.
قلت: كما أن البيهقي ذكره في الدلائل وقال: هذا الذي روي في هذا الحديث في قدرة الله جائز، وما خص الله به رسوله من المعجزات يثبته، الا ان اسناد هذا الحديث ضعيف بما ذكرته ونبهت على حاله. ورواه ابن شاهين، وابن عساكر بسند فيه مجهول عن واثلة بن الأسقع أطول مما هنا وفيه ألفاظ منكرة. وعلى كل حال لم يصح في هذا الباب شئ. قال الشيخ في النكت البديعات: أخرجه الحاكم، والبيهقي في الدلائل وقال: انه ضعيف.