المكيال والميزان الا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم الا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله الا سلط عليهم عدو من غيرهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله الا جعل بأسهم بينهم). وفي رواية: (الا ألبسهم شيعا وإذاق بعضهم بأس بعض).
ثم قال: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل. وكان رجاله معسكرين بالجرف وكانوا سبعمائة. فقال عبد الرحمن: (أحب يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري). فأقعده بين يديه ثم نفض عمامته بيده ثم عممه بعمام (من كرابيس) سوداء. فأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحو ذلك. ثم قال: (هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف) (1).
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه، ثم قال:
(خذه يا ابن عوف اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسنة نبيكم فيكم).
فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج حتى لحق بأصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل.
فلما حل بها دعاهم إلى الاسلام فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الاسلام. وقد كانوا أبوا أول ما قدم ألا يعطوا الا السيف. فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي. وكن نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام منهم على اعطاء الجزية.
فكتب عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وانه أراد أن يتزوج فيهم. وبعث الكتاب مع رافع بن مكيث الجهيني فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بنت الأصبغ تماضر، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها، ثم أقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وذكر ابن إسحاق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في سرية إلى دومة الجندل كما سيأتي.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
دومة: بدال مهملة مضمومة وتفتح فواو ساكنة فميم فتاء تأنيث ويقال دوماء بالمد.
الجندل: بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال وباللام: حصن وقرى من طرف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة الشريفة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة.
أكيس: يقال كأس الرجل في عمله لدنيا أو آخرة كيسا جاد عقله.