الباب الخامس والخمسون في وفد بني شيبان إليه صلى الله عليه وسلم روى ابن سعد عن قيلة بنت مخرمة قالت: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد شيبان، وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا في الجلسة أ رعدت من الفرق. فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره:
(يا مسكينة عليك السكينة). فلما قالها أذهب الله ما كان أدخل قلبي من الرعب.
وتقدم صاحبي أول رجل فبايعه على الاسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزنا إلينا منهم الا مسافر أو مجاور. فقال: (يا غلام اكتب له بالدهناء).
فلما رأيته أمر له بأن يكتب له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله انه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، انما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومر على الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك. فقال: (أمسك يا غلام، صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان). فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: كنت أنا وأنت كما قيل: (حتفها تحمل ضأن بأظلافها). فقلت: أما والله ان كنت دليلا في الظلماء، جوادا بذي الرحل عفيفا عن الرفيقة حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا تلمني على حظي إذ سألت حظك. فقال: وما حظك في الدهناء لا أبا لك؟ فقلت: مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك.
فقال: لا جرم اني أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لك أخ ما حييت، إذ أثنيت هذا علي عنده. فقلت: إذ بدأتها فلن أضيعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيلام ابن ذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجرة)، فبكيت ثم قلت: (والله كنت ولدته يا رسول الله حاز ما فقاتل معك يوم الربذة، ثم ذهب يحيرني من خيبر فأصابته حماها وترك علي النساء. فقال: (والذي نفس محمد بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك اليوم على وجهك أو لجررت على وجهك) شك عبد الله، (أيغلب أحيدكم أن يصاحب صويحبة في الدنيا معروفا فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه استرجع). ثم قال: (رب أنسني ما أمضيت وأعني على ما أبقيت، وا لذي نفس محمد بيده ان أحيدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا اخوانكم) وكتب لها في قطعة من أديم أحمر لقيلة وللنسوة بنات قيلة: (ألا يظلمن حقا ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن نصير أحسن ولا تسئن) (1).