الباب الثمانون في سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم إلى أبنى وهي بأرض الشراة بناحية البلقاء.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بعد حجته بالمدينة بقية ذي الحجة، والمحرم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، ووجد عليهم وجدا شديدا.
فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم وأمرهم بالجد، ثم دعا من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر أسامة بن زيد فقال: (يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى (موضع) مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الاخبار فان أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك).
فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع.
فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده. ثم قال: (اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا: اللهم أكفناهم بما شئت واكفف بأسهم عنا، فان لقوكم قد جلبوا وضجوا فعليكم بالسكينة والصمت ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وقولوا: اللهم ا نا نحن عبيدك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تغنيهم أنت واعلموا ان الجنة تحت البارقة).
فخرج أسامة رضي الله تعالى عنه بلوائه (معقودا)، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من (وجوه) المهاجرين الأولين والأنصار الا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله تعالى عنهم في رجال آخر ين من الأنصار، عدة مثل قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش. فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال: (أيها الناس أنفذوا بعث أسامة) ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رجل من المهاجرين. كان أشدهم في ذلك قولا - عياش بن أبي ربيعة (المخزومي) رضي الله تعالى عنه: (يستعمل هذا الغلام على المهاجرين). فكثرت المقالة، وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعض ذلك فرده على من تكلم به، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب غضبا شديدا. وخرج يوم السبت عاشر المحرم سنة إحدى عشرة وقد