الباب الخامس والعشرون في سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقيل زيد بن حارثة إلى بني فزارة بوادي القرى روى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد والأربعة والطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال: غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان بيننا وبين السماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا، ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فأنظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري، فخشيت ان يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما ر أوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم معها ابنة لها من أحسن العرب. فسقتهم حتى أتيت أبا بكر. فنقلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا. فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال: (يا سلمة هب لي المرأة). فقلت: (يا رسول الله قد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا). فسكت، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق ولم أكشف لها ثوبا فقال: (يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك).
فقلت: هي لك يا رسول الله، قال: فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ففدا بها أسرى (من المسلمين) كانوا في أيدي المشركين. وفي رواية عند أحمد، وابن سعد: وكان شعارنا:
أمت أمت قال: فقتلت بيدي سبعة - وعند الطبراني تسعة بتقديم الفوقية - أهل أبيات من المشركين.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
فزارة: بفتح الفاء وبالزاي والراء.
أمره: بتشديد الراء، جعله أميرا.
التعريس: النزول آخر الليل (للنوم) والاستراحة.
شن الغارة: فرقها في كل وجه.
العنق من الناس: الطائفة منهم.
الذراري: بالذال المعجمة جمع ذرية وهي الأولاد الصغار، وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال والثانية كسرها والثالثة فتح الذال مع تخفيف الراء وتجمع على ذريات.
القشع: بفتح القاف وكسرها وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة.
لله أبوك: إذا أضيف الشئ إلى عظيم شريف اكتسب عظما وشرفا كما يقال: بيت الله، وناقة الله، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقفه ويحمد فعله قيل: لله أبوك في معر ض المدح والتعجب، أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك.