الباب الثاني والسبعون في سرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى اليمن المرة الثانية.
قال محمد بن عمر، وابن سعد (1) رحمهما الله تعالى واللفظ للأول: قالوا -: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن في رمضان وأمره ان يعسكر بقناة فعسكر بها حتى تتام أصحابه. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة فجعلها في رأس الرمح ثم دفعها إليه وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار وجعل له ذراعا بين يديه وشبرا من ورائه وقال له:
(امض ولا تلتفت).
فقال علي: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: (إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقا تلوك وادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فمرهم بالزكاة فان أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت).
فخرج علي في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبايا نساء وأطفالا ونعما وشاء وغير ذلك. فجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعا. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الاسلام فأبوا ورموا أصحابه بالنبل والحجارة. فلما رأى انهم لا يريدون الا القتال صف أصحابه ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السلمي فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه. ثم حكل عليهم علي وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائما وكف علي عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الاسلام فأسرعوا وأجابوا. وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الاسلام وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى. وجمع علي ما أصاب من تلك الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها، فخرج أول السهمان سهم الخمس وقسم علي رضي الله تعالى عنه على أصحابه بقية المغنم، ولم ينفل أحدا من الناس شيئا، وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس ثم يخبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يرد ه عليهم فطلبوا ذلك من علي فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فيه رأيه.
وأقام فيهم يقرئهم القرآن ويعلمهم الشرائع. وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا مع