إياهم عند المواجهة قليلا، ثم أيد المؤمنين بنصره، فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم، حتى وهنوا وضعفوا، وغلبوا، ولهذا قال: * (والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار) *.
وروى ابن سعد وإسحاق بن راهويه وابن منيع، والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلا منهم. فقلنا: كم أنتم؟ قال: ألف.
التاسع: قال شيخ الاسلام أبو الحسن السبكي رحمه الله تعالى: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ببدر، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناح، فأجبت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتكون الملائكة مددا، على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها، التي أجزأها الله تعالى في عباده. والله تعالى فاعل الأشياء.
وقال في الكشاف في تفسير سورة يس في قوله تعالى: * (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) * [يس 28] فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ فقال: * (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) * [الأحزاب 9] وقال: * (بألف من الملائكة مردفين) * [الأنفال 9] * بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) * [أل عمران 124] * (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) * [أل عمران 125] قلت: إنما كان يكفي ملك واحد فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكن الله تعالى فضل محمدا صلى الله عليه وسلم بكل شئ على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلا على حبيبه النجار. وأولاه من أسباب الكرامة ما لم يؤته أحدا، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء، وكأنه أشار بقوله: * (وما أنزلنا... وما كنا منزلين) * إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعله لغيرك.
العاشر: اختلف المفسرون في قوله تعالى: * (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم خمسة آلاف من الملائكة مسومين) * [آل عمران 124، 125] الآيات، هل كان هذا الوعد يوم بدر أو يوم أحد؟ فقال ابن عباس والحسن، وقتادة، وعامر الشعبي، والربيع بن أنس، وغيرهم، وعليه جرى الامام البخاري في صحيحه واختاره ابن جرير. وقال الحافظ: إنه قول الأكثر. وإن قوله تعالى: * (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم