الحادي عشر: في الكلام على قوله تعالى: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * [الأنفال 7 1].
قال في زاد المعاد: اعتقد جماعة أن المراد بالآية سلب فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى الرب تبارك وتعالى حقيقة، وجعلوا ذلك أصلا للجبر وإبطال نسبة الافعال ونسبتها إلى الرب تبارك وتعالى وحده، وهذا غلط منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده فيقال:
ما صليت إذ صليت، ولا صمت إذ صمت، ولا فعلت كل ذلك إذ فعلت، ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم في أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم، إذ لا فرق، وإن خصوه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله جميعها أو رمية واحدة ناقضوا، فهؤلاء لم يوفقهم الله تعالى لفهم ما أريد بالآية، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه صلى الله عليه وسلم هذا الرمي، وهو الحذف، ومن الرب سبحانه وتعالى نهايته وهو الايصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفى عنه رمي الايصال الذي هو نهايته، ونظير هذه الآية نفسها قوله تعالى: * (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) * [الأنفال 17] ثم قال: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * فأخبر أنه سبحانه وتعالى وحده هو الذي تفرد بإيصال الحصا إلى أعينهم، ولم يكن برسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه وتعالى أقام أسبابا تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه وبه، وهو خير الناصرين.
الثاني عشر: قال السدي الكبير، وعروة، وقتادة، ومجاهد، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، وابن زيد، وغيرهم، إن هذه الآية نزلت في بدر وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين.
الثالث عشر: في حديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بمصارع القوم قبل الوقعة بيوم أو أكثر. وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك يوم الوقعة. قال في البداية: ولا مانع من الجمع بين ذلك بأن يخبر به قبل بيوم أو أكثر، وفي حديث آخر أن يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة.
الرابع عشر: اتفق عمر وأبو طلحة، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المسلمون: يا رسول الله كيف تخاطب أمواتا؟ فقال: " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم "، والثلاثة الأول شاهدوا القصة، وسمعوا هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله يحتمل أن يكون سمعه من أبيه أو من النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ ابن مسعود قال: " يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون "، رواه الطبراني بإسناد صحيح، وأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها لما بلغها ذلك عن ابن عمر، وقالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقا، واستدلت على ذلك بقوله تعالى: * (وما أنت