بمسمع من في القبور) * [فاطر 22] وهذا مصير منها إلى رد رواية ابن عمر المذكورة، وقد خالفها الجمهور في ذلك وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه. وأما استدلالها عليه بالآية فقالوا: معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم ولا تسمعهم إلا أن يشاء الله، وقال الإسماعيلي: كان عند عائشة رضي الله عنها من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، ولكن لا سبيل إلى رد كلام الثقة إلا بنص يدل على نسخه، أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن؟ لان قوله تعالى:
* (إنك لا تسمع الموتى) * لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: " إنهم الآن يسمعون "، لان الاسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم. وأما جوابه بأنه إنما قال: " إنهم ليعلمون "، فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون، بل يؤيدها. وقال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية لا يسمعهم وهم موتى، ولكن الله تعالى أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة.
وقال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له: أتخاطب أقواما قد جيفوا فأجابهم، وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك بآذان رؤوسهم على قول الأكثر، أو بآذان قلوبهم، واحتجاج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * وهذه الآية لقوله تعالى: * (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي) * [الزخرف 40] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت، وجعل الكفار أمواتا وصما على جهة التشبيه بالأموات وبالصم، والله تعالى هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاء لا نبيه ولا أحد، فإذا لاتعلق بالآية من وجهين: أحدهما: أنها نزلت في دعاء الكفار إلى الايمان، الثاني:
أنه إنما نفى عن نبيه أن يكون هو المسمع لهم، وصدق الله تعالى فإنه لا يسمعهم إذا شاء إلا هو، ويفعل ما يشاء، وهو على كل شئ قدير.
الخامس عشر: من الغرائب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة، وفيه: " ما أنت بأسمع لما أقول منهم "، ورواه الإمام أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأن عائشة رضي الله عنها رجعت عن الانكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة.
السادس عشر: قال في الروض: فإن قيل: ما معنى إلقائهم في القليب وما فيه من الفقه؟ قلنا: كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه، مؤمنا كان أو كافرا، هكذا رواه الدارقطني في سننه. وإلقاؤهم في القليب من هذا الباب غير أنه كره أن