وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون، فتنافست فيهم الأنصار، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بسهم، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم. فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ادع لي قومك، قال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأنصار كلها! " فدعا له الأوس والخزرج، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم، ثم قال: " إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى علي بن بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم ". فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ - رضي الله عنهما - وجزاهما خيرا، فقال: " يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا "، ونادت الأنصار - رضي الله عنهم وجزاهم خيرا -: " رضينا وسلمنا يا رسول الله ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار ".
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفئ شيئا إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سعد بن معاذ رضي الله عنه سيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم.
وذكر البلاذري في كتاب فتوح البلدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: " ليس لاخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة ". قالوا: بل أقسم هذه فيهم وأقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * [الحشر 9].
قال أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي - وهو بالغين المعجمة والنون -:
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أمنا * تلاقي الذي يلقون منا لملت قلت: وروى الآجري في كتاب الشريعة عن قيس بن أبي حازم: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فذكر نحو ما تقدم.