قال ابن إسحاق: وقد احتمل الناس قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: " ردوهم وادفنوهم حيث صرعوا ".
قال محمد بن عمر فلم يرد أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي قبل أن يدفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
وروى الإمام أحمد والأربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن قتلى أحد حملوا من أماكنهم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ردوا القتلى إلى مضاجعهم (1).
وروى الإمام أحمد عنه قال: استشهد أبي بأحد فأرسلني أخواتي إليه بناضح لهن فقلن:
اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل، فادفنه في مقبرة بني سلمة. قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو جالس بأحد، فدعاني فقال: " والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع أصحابه [بأحد] " (2).
وروى أبو داود والنسائي عنه أيضا قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم، وقال لي أبي عبد الله: يا جابر، لا عليك أن تكون في النظارة من أهل المدينة، حتى تعلم ما يصير أمرنا، والله لولا أني أترك بنات بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي. قال: فبينا أنا في النظارة إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة، إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مضاجعها، حيث قتلوا.
وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن مردويه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمصعب بن عمير وهو مقتل على طريقه فوقف عليه، فدعا له ثم قرأ: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) [الأحزاب 23] الآية. ثم قال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ولا أحسن لمة منك.
وروى البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال:
قتل مصعب بن عمير، وهو خير من كفن في برده، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه.
وروى الخمسة عن خباب رضي الله عنه قال: هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي رحمة الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من قضى أو ذهب ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة، وكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا