قال الحافظ في الإصابة: ولم يأت على ذلك بدليل إلا قول أبي عمر: ليس في الصحابة أبي خيثمة سوى الجعفي والسالمي، وفي هذا الحصر نظر - فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله، فسلك به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك في ماء مربع - بكسر الميم وفتح الموحدة - ابن قيظي - بفتح القاف فمثناة تحتية فظاء معجمة مشالة - وكان منافقا ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم، ويقول: إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي، وذكر أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب غيرك فضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر ". وقد بدر إليه سعد بن زيد الأشهلي قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه بالقوس فشجه، فغضب له ناس من بني حارثة وهم قومه، وكانوا على مثل رأيه، فهم بهم أسيد بن حضير حتى أومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف. وذب فرس أبي بردة بن نيار - بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء - بذنبه، فأصاب كلاب سيفه فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب الفأل الحسن ولا يعتاف: " يا صاحب السيف، شم سيفك، إني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها ".
ذكر انخزال عدو الله ابن أبي بثلث العسكر لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشوط انخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس كافة كأنه هيق، فقال: " أطاع الولدان ومن لا رأى له وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس هاهنا؟ " فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب، وتبعهم عبد الله بن حرام - بالراء - يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر عدوهم، يا قوم تعالوا فقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، فقالوا: لم نعلم قتالا ما أسلمناكم، لا نرى أن يكون قتال، ولئن أطعتنا لترجعن معنا.
فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله تعالى نبيه عنكم. وأنزل الله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) [آل عمران 179] قال مجاهد: " ميزهم يوم أحد " وهم المرادون بقوله تعالى: (وليعلم الذين نافقوا، وقيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون) [آل عمران 167].
وذكر عروة وموسى بن عقبة: أن بني سلمة - بكسر اللام - وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي سقط في أيديهما، وهما أن يقتتلا فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال تعالى: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) [آل عمران 122].