ذفف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله.
قال ابن عقبة: قال كعب بن مالك: وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لامته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر بنظري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف، فبلغت وركيه وانفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة.
قال الزبير: ثم رأيته حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت له: كل سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة، قال: إنها نادت: يا لصخر! فلم يجبها أحد، وفي لفظ: رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه، فلما حملت عليه السيف ولول. فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها، فقلت:
الله ورسوله أعلم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس والزبير بن بكار أن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له، فقام إليه الزبير بن العوام فوثب حتى استوى معه على بعيره، فعانقه، فاقتتلا فوق البعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يلي حضيض الأرض مقتول، فوقع المشرك ". ووقع عليه الزبير فذبحه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير " وقال: " لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه " (1)، لما رأى من إحجام الناس عنه.
واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا، وحميت الحرب، وأبلى أبو دجانة الأنصاري، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النضر، وسعد بن الربيع، بلاء شديدا. وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر، ونهكوهم قتلا، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنبل، فلا يقع إلا في فرس أو رجل، فتولي هوارب، وقال عمر بن الخطاب يوم أحد لأخيه زيد بن الخطاب: يا أخي، خذ