وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، وغيرهم من علمائنا، عن ابن عباس، كل قد حدثني بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال: " هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ".
فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس (1) من لقي من الركبان تخوفا على أمر (2) الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان: أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن عكرمة، عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير. قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم إلى مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له:
يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم على ما أحدثك. قال لها: وما رأيت؟
قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته:
ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه: فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت، فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة.